
لقد زرت ليبيا في التسعينيات من القرن الماضي ،على فترات متقاربة, وأقمت بها مابين بنغازي وطرابلس , ورأيت بأم عينيّ حال هذا الشعب البائس المفتقد لأبسط حقوقه الآدمية . لقد سلب الطاغية اللاشرعي هذا الشعب كل الحقوق المشروعة وعلى رأسها العزة والكرامة . ويكفي أن ترى وجوه الناس مكللة بالتجهم والعبوس والشرود ,فلا تصنيع ولا تعليم ولا رعاية صحية , هذا رغم توافر الثروة البترولية الهائلة وصغر تعداد الشعب الليبي . وإذا تحدثت مع أحدهم في السياسة العامة , فرّ منك فرار السليم من الأجرب ,فأدركتُ وقتها مدى الخوف والرعب الذي أرضعه القذافي لشعبه . لقد حاولت العثور على جريدة واحدة معارضه في هذه الجماهيرية الشعبية العظمى !! فلم أجد ,فكنتُ كمن يبحث عن قطة سوداء في حجرة حالكة السواد في ليل بهيم .ولعل المرّة الوحيدة التي وجدت مواطناً ليبياُ يخوض غمار الحديث في السياسة ,كان سائق تاكسي وكنت الراكب الوحيد في عربته , وأعتقد أن الذي شجعه على خوض هذه المجازفة كوني مصرياً مما أشعره بالطمأنينة فراح يفضفض معي عمّا يجيش في صدره ,ولا أنسى كلماته ولا صوته الحزين والذي تحمل نبراته الشجن واليأس وخيبة الأمل حيث قال بالحرف (المجنون بتاعنا حب يعمل زعيم عربي ماعرفشي , ودلوقتي مضيّع فلوس ليبيا على افريقيا علشان يعمل زعيم افريقي) . إن هذا المواطن الليبي البسيط قد وضع يده على الداء الذي ليس له دواء ألا وهو الحماقة , كما قال الشاعر : (لكل داء دواء يستطاب به … إلّا الحماقة أعيت من يداويها) , هذا بالاضافة لعشق هؤلاء الحكام الطغاة وولعهم الشديد بالزعامة . لقد قهر هذا الطاغية شعبه على مدار ما يشارف النصف قرن , وعاد بليبيا إلى وراء الوراء , إلى زمن الخيمة العربية , والخيبة العربية , وهاهو قد ذهب إلى مزبلة التاريخ مثل سابقيه, وقريباً سيلحق به طغاة سوريا واليمن , وقريباً وعلى نفس المنوال البقية الباقية من حكامنا المرتزقة الطغاة.أخيراً أقول :- كل الديمقراطية للشعب, وكل التفاني للوطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق