من المفارقات العجيبة , أن الثورة المصرية التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير 2011 للقضاء على حكم العسكر , الذي ظل جاثماً على صدور المصريين منذ الثالث والعشرين من يولية 1952 , وبعد الإطاحة برأس النظام , أن يتربع المجلس العسكري على السلطة , التي قامت الثورة أساساً للتخلص منه , حيث يعد ذلك أكبر مفارقة عبثية في تاريخ الثورات. وقد يقول قائل أن حكم العسكري مؤقت لإدارة الفترة الإنتقالية , وأنه ساهم في نجاح الثورة , ومهما كان ذلك صحيحاً , فلا معنى للمقايضة , وليس ذلك مبرراً , أن يكون الثمن هو إرتهان البلاد , والسطو على الثورة , بدعوى حمايتها (وجيش تونس خير مثال). وليس خافياً على أحد أن العسكري ليس مجلس قيادة الثورة , فالذي يقتل شباب الثورة وينتهك حرمة نساء الثورة على أيدي الجيش المصري , في مشهد أثار غضب واشمئزاز الداخل والخارج , لا يمكن أن يؤتمن على حماية الثورة والثوار لدقيقة أو ثانية واحدة بعد الآن . لقد إنكشف الوجه وسقط القناع , واصبح العسكري بلا ورقة توت . إن ملف العسكري أصبح ملوثاً بجرائم لا تغتفر , ولا تسقط بالتقادم , وسوابقه لا تعد,منذ البالون إلى ماسبيرو ومحمد محمود مروراً بالأحداث المفجعة أمام مجلس الوزراء وشارعي ريحان والقصر العيني . لقد أصبحت أيدي العسكري ملطخة بالدماء , وحوّل المرحلة الإنتقالية إلى مرحلة إنتقامية , للقضاء على الثورة , والعمل على تشويهها في أعين بسطاء الشعب , الذي عملوا على تسطيح فكره وتغييب عقله على مدار ثلاثين عاماً . إن المخطط الذي يعملون له , ويتفانون من أجله , هو هدم الثورة وشن حرب إبادة على الثوّار , وتشويه صورتهم أمام الرأي العام , وتحويل هؤلاء الأبطال إلى خونة , يعملون لحساب الخارج , والعسكري يبغي من وراء كل ذلك , شئ واحد فقط , أن يكفر الشعب بثورته , وان ينقلب على الثوّار , وبذلك يخلو للعسكري وفلوله وجه (مصر مبارك) من جديد. فهل بإمكان العسكري أن ينجح في هذا المخطط , وأن تضيع دماء الشهداء هباءً منثوراً تحت أقدام الثورة المضادة ? (هيهات منّا الذلّة) كما أطلقها الحسين ـ كرّم الله وجهه ـ في معركة كربلاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق